الثلاثاء، 28 أبريل 2009

حياتي مع "فيستا": من المناطحة إلى المصالحة

صارت الحواسيب – وأنظمة التشغيل التي تديرها – جزءً محوريا من حيواتنا. ولكنها ليست دوما الجزء الأسعد. ما يلي جانب من كفاح رجل أعزل على جبهة أنظمة التشغيل.

وليد الشوبكي | إسلام أونلاين

فكرت وقدرت، وترددت وتلعثمت، ثم في النهاية قررت أن أشتري حاسوبا بنظام "ويندوز فيستا". وكان ذلك قبل بداية ربيع العام 2007 بأيام قلائل. أما التردد فكان راجعا لما قرأت من تعقيبات صحافية وتحليلية حول نظام "فيستا" الذي أصدرته مايكروسوفت أوائل 2007. وكان الرأي الغالب أن "فيستا" بطيء وغير متوافق مع البرمجيات التي طُوّرت لسلفه "إكس بي"، وأنه يستهلك الطاقة الحاسوبية (للمعالج ولشريحة الذاكرة RAM) بنهم، ومن ثم فإنه يحتاج إلى عتاد حاسوبي ذي إمكانيات عالية.


ولكني فكرت – بناءً على انطباعات سابقة – أن أغلب من يكتب هذه التعقيبات يُغالون في التوقعات. وقلت إني أحتاج حاسوبا عاديا، وتوقعاتي أدنى بكثير من تلك لهؤلاء الذين يرتكز عملهم على المقارنة بين الحواسيب الفائقة والتعقيب على أدائها. فكاتب السطور بالكاد يستعمل متصفح الإنترنت ومعالج النصوص آنيا. فتوكلت على الله واشتريت حاسوب "كومباك" بمعالج حاسوبي "سمبرون" من شركة "إيه إم دي" وذاكرة لحظية (RAM) واحد جيجا بايت. وكان الحاسوب مزينا بملصق يطمئن المشترين أنه معد للعمل بنظام "فيستا."

ربيع فيستا
كنا على أبواب الربيع إذا، لكن انطباعاتي عن "فيستا" لم تكن ربيعية. فقد كان الحاسوب جد بطيء. وأحيانا استغرق فتح نافذة واحدة 30 أو 40 ثانية، أرى خلالها الرسالة المزعجة "لا استجابة" (not responding). وكنت أحيانا أشغل الحاسوب، وما إن أعزم تشغيل أحد البرامج حتى أسمع زمجرة وأنينا وكأن الحاسوب مشغول بفك الشيفرة الوراثية للماموث المنقرض. واستمر الحال على ذلك لنحو شهر: بطء مزعج. وتعجبت، بأي منطق أضيف هذا الملصق الذي يقول أن الحاسوب معد لـ "فيستا"؟ (ومن ثم كانت بهجتي القصيرة لاحقا حين قرأت أن مستخدمين يقاضون مايكروسوفت بدعوى أنهم تعرضوا للخداع حين اشتروا حواسيب تحمل ملصق "فيستا" ولكنها لا تعمل معه بصورة جيدة.)

وأدى بي الإحباط إلى قرار عنيف. فقررت بغير كثير تردد هذه المرة أن أمحو "فيستا" كلية وأحَمّل إصدارا آخر من "ويندوز". وكان ذلك بالطبع "إكس بي". وكنت اعتدت "إكس بي" على حاسوبي السابق (دِل من طراز "لاتتود"). وأطحت بالـ "فيستا" غيرَ آسف. ثم ثبتُ الـ "إكس بي" – لأفاجأ أن الشاشة اتخذت لونا واحدا لا تحيد عنه (الأسود الفاحم)، إذ تبين لي أن شريحة الفيديو من شركة "إيه تي آي" على حاسوبي لا تعمل إلا مع "فيستا". فتساءلت في نفسي – بلغة لست أظن القارئ يود معرفتها حرفيا – لماذا تقرر "كومباك" (أو مالكتها "هيولت باكارد") لي أي نظام تشغيل أستخدم على حاسوبي الذي أمتلكه بحكم العرف والقانون؟

وفي لحظة من الغضب لكرامتي التي بدا لي أن "هيولت باكارد" ومايكروسوفت خدشتاها، قررت أن أهجر إصدارات "ويندوز" كلية إلى المعسكر المنافس. ووقع اختياري على أحد إصدارات لينِكس الشهيرة والمسمى "أوبنتو". وكنت قد قرأت آراءً إيجابية عديدة عن النسخة 7.04 من "أوبنتو" المجاني. فلجأت لمبرمجين ممن أعرف ليثبتوا إصدار لينكس على حاسوبي الذي ظل معطلا لبضعة أشهر بانتظار "النظام." ولم يستغرق الأمر أكثر من ساعة حتى استقرت أركان النظام الجديد على حاسوبي المحمول. وابتهجت ثأرا – لنفسي، ومن مايكروسوفت.


أحرف مهتزة

ولكنها كانت بهجة قصيرة العمر. بداية، لم يحتو “أوبنتو” تعريفا لشريحة الإنترنت اللاسلكي (واي فاي WiFi) على حاسوبي. ثانيا، بدا لي -- وكنت اعتدت العمل على “ويندوز” لنحو سبع سنوات (حاشا لله أن تكون عجافا) -- أقول بدا لي أن الأحرف “مهتزة” وغير واضحة على أوبنتو”. ظننت بادئ الأمر أني أحتاج لضبط بعض الإعدادات. فضبطت وحسنت وانتظرت. وأعدت النظر فإذا الأحرف لا تزال غير واضحة. ورغم أن لينِكس أوبنتو كان أسرع في فتح البرمجيات والنوافذ، فإني كنت غير سعيد بدرجة نقاء الأحرف. وإذ أن أغلب تعاملي مع الحاسوب بالأساس تعامل مع النصوص، فقد بدأت -- بامتنان متأخر قليلا -- أتذكر “فيستا” بأحرفه ذات النقاء الليزري.

وحين كنت أضطر لإغماض عيني لإراحتهما من إرهاق أحرف “أوبنتو” المترهلة، كانت تراودني الأفكار. منها أن مستخدما مثلي لا يرجو أكثر من “أداة حاسوبية” تعرض النصوص وتتيح الاتصال بالإنترنت وتصفحها. ورغم ذلك أضطر -- وغيري ممن نالهم حظي العاثر -- إلى قضاء ساعات طوال في البحث والضبط والانتظار. ثم كيف يُعقل أن يخفق حاسوب حديث -- بعتاد حاسوبي ربما يفوق إمكانيات الناسا مجتمعة عندما أرسلت أولى سفنها للقمر أواخر الستينات -- كيف يخفق في تشغيل برمجيات بسيطة لمستخدم بسيط؟

وأفيق من دوامة الأفكار وأفتح عيني على أحرف “أوبنتو” المهتزة فأزداد كمدا.

ولما بلغ مني الكمد مبلغه، ولم أعد أطيق صبرا، قلت لـ “أوبنتو” هذا فراقُ بيني وبينك. وعدت بقليل راحة، وبهجة أقل، ولكن بامتنان متجدد، إلى معسكر “ويندوز” -- كعودة الابن الضال لعائلته بعد الشتات. إلى “فيستا” نعود. ولأجل الأحرف ذات النقاء الليزري نصبر ونحتسب.

للصبر حدود
بيد أن للصبر -- كما نعرف -- حدودا. ويبدو أني أفرطت في الأمل حين ظننت سأصبر إلى ما لا نهاية على بطء “فيستا” وبدواته ومزاجه المتقلب ونوافذه التي لا تنبلج إلا بعد صالح الدعاء. وكدت أن أتخذ قرارا عنيفا مرة أخرى، ولكن مايكروسوفت تداركت الأمر بأن أصدرت حزمة البرمجيات التكميلية الأولى لـ “فيستا” (Service Pack 1). فحملتها من على الإنترنت وثبتها، وكان ذلك غالبا في أبريل/نيسان من العام الماضي. ومضطر أن أقول أن هذه الحزمة حسنت من أداء “فيستا” وخلعت على مزاجه المتقلب شيئا من سَكينة طال انتظارها.

أحسنت مايكروسوفت إذاً حين أصدرت هذه الحزمة المكملة، ولكن لماذا لم تنتظر حتى تصل بـ “فيستا” لهذه الدرجة من الاستقرار في إصداره الأول؟ من يعوضني عن ساعات الإحباط الطويلة والقرارات العنيفة التي اضطررت لخوضها؟ ثم إن تلك الحزمة “حسنت” مزاج “فيستا” وشيئا من أدائه. ولكن تعسر الأداء وبطء البرمجيات ظل بدرجة ما على حاله. فقلت في نفسي: أن تكون حياتي أبطأ وأنا في انتظار بزوغ النوافذ خير من أصاب بإرهاق مزمن في العينين وتصدع في الجمجمة. ولكني في كل الأحوال لم أكن سعيدا.

وكما يقول الشاعر، “اختلاف النهار والليل ينسي.” فمع كر الأيام تراجع في وعيي الشعور بالبطء “الفيستاوي”. بل إني ربما بدأت أضبط إيقاع حياتي على هذا البطء لخلق حالة من الاتساق العام في السرعة (لست أدري إن كان زملاء العمل لاحظوا ذلك). وذات يوم مشمس قرأت في صحيفة صباحية مقالا عنوانه “كيف كففت عن القلق واعتدت تحمل فيستا.” واشتمل المقال على روابط لمواقع تقدم نصائح حول تحسين أداء “فيستا”. وللمفارقة، أغلب هذه المواقع تنصح بتعطيل أو إيقاف بعض وظائف “فيستا” التي لا يحتاجها المستخدم ليتحسن أداؤه. واستعنت بالنصائح على موقع “تويك هاوند” (TweakHound.com) وعطلت كثيرا من وظائف فيستا (من الواجهة الجرافيكية إلى آلية الفهرسة المستمرة). وبدا بعدها أن “فيستا” أسرع حقا مما كان.

وتكاثرت تساؤلاتي. أن نحسن شيئا بأن نزيل منه فهذا دليل على ترهله. ولكن لماذا ترضى كبرى شركات البرمجيات في العالم، مايكروسوفت، وهي شركة مشهودة بجودة برمجياتها في مناحي كثيرة، لماذا ترضى بطرح نظام تشغيل مترهل وغير مكتمل؟

وتوالت الأيام. وفي بعض منها أغلق الـ “فيستا” على إعدادت معينة، وحين أفتحه أجد تلك الإعدادت تغيرت من تلقاء نفسها (كأن تختفي فجأة أيقونة الإنترنت من شريط الأدوات). وفي بعض منها تعاود جملة “لا استجابة” الظهور في أعلى النوافذ. وفي تلك الأيام بدأت أقرأ عن الإصدار القادم من “ويندوز” والمسمى “ويندوز 7”. وتكاد الآراء تجتمع على تفوق “ويندز 7” على سلفه وتحاشيه الكثير من مشاكله. وكنت أحيانا في لحظات الإحباط أمنّي نفسي بأني سأنتظر إلى أن يصدر “ويندز 7” -- غالبا خلال العام المقبل -- وعندها ستنتهي مشاكلي من أنظمة التشغيل.

ولكني أدركت أني سيظل في صدري دوما شيء تجاه آل “ويندوز”. فأقدمت بمغامرة -- وبمقابل مالي غير هين للأسف -- على تغيير ولاءاتي مرة أخرى وانضممت إلى معسكر نظام التشغيل “ماك أو إس إكس” بشراء حاسوب من “أبل”، وكان ذلك في ديسمبر/كانون الأول الماضي. وباستثناء عدم الدعم الكامل للغة العربية (وهو أمر يثير التساؤل حقا)، يبدو أن “ماك” نظام حسن. وقد يبو “ماك” للوهلة الأولى غير مألوف بعض الشيء، خاصة لهؤلاء الذين نما وعيهم على “ويندوز”. ولكن مع تخطي هذه المرحلة، تبدو حسنات “ماك.” وإلى الآن كاتب السطور سعيد بما لديه. ولكن سيظل في نفسي شيء من “فيستا”.